في المعنى

عصر ماكينات الكذب والدعاية المحوسبة

"قراءة في كتاب "ماكينة الكذب: كيف تحمي الديمقراطية من جيوش التصيد، والروبوتات المخادعة، وتدوير الأخبار الرديئة، والجماعات السياسية
Sign up for my Newsletter
newsletter opt-in
We guarantee 100% privacy. Your information will not be shared.

ماكينة الكذب هي آلية اجتماعية تقنيّة لوضع ادعاء غير صحيح في خدمة أيدلوجية معينة

الكتاب هو خلاصة دراسة استغرقت 4 سنوات من العمل وشملت عدة بلدان، وقام بها هوارد وفريقه المكون من 12 شخصًا و بالتعاون مع عدد من الباحثين من الكليات التي تتبع للمعهد بما فيهم مختصين في علم الاجتماع والإنسانيات. وكان تمويل البحث الرئيسي من الاتحاد الأوروبي والمؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم.

يقوم فريق البحث بتعريف وتحديد ماكينات الكذب وماذا تفعل ومن أين أتت وأي نوع من التأثر تمتلك. وما هي الاستراتيجيات الممكنة للتعامل معها. ويوضح الكاتب بأن الغاية من البحث والكتاب هي التوصل إلى تعطيل هذه الماكينات ومنعها من تدمير الحياة العامّة.

يعرف الكتاب "ماكينة الكذب" بانها آليات اجتماعية تقنيّة sociotechnical system لوضع ادعاء غير صحيح في خدمة أيدلوجية معينة. والجانب التقني: هو خوارزميات منصات الإعلام الاجتماعي السوشيال ميديا التي تقوم بتوصيل المحتوى إلينا. والجانب الاجتماعي: هو تركيبة الناس العاديين والسياسيين واللوبيات التي تنتج الكذب.

يرى هوارد أنّه من غير المنطقي تحليل السياسات الحديثة دون إعطاء دور للمنظومة التكنولوجية لمنصات السوشيال ميديا. والتعاطي مع الموضوع على أنه مجرد لاعبين سياسيين غير أخلاقيين يكذبون بما يخص الحياة العامة هو تعاطي وفهم منقوصين. ...وأيضًا تحميل المسؤولية كاملة للفيس بوك وتويتر هو إدعاء منقوص ولا يكفي. فنحن بحاجة لوجهين للقصة لكي نفهم ما يحدث فعلًا.

تحتاج ماكينة الكذب إلى نظام توزيع، والذي يتخذ اليوم شكل منصات السوشيال ميديا

يعتمد الكتاب على كم هائل من المعلومات ليخبرنا عن الإنتاج والتوزيع والتسويق، المكونات الثلاث الرئيسية لـ "ماكينة الكذب".

إن ماكينة الكذب التي تعمل بشكل جيد تتطلب وجود وكالات حكومية وقادة سياسيين أو مرشحين للانتخابات أو أحزاب سياسية، تنتج معلومات مضللة في خدمة أجندتها السياسية أو مشروعها الأيدلوجي الكبير.

تحتاج ماكينة الكذب إلى نظام توزيع، والذي يتخذ اليوم شكل منصات السوشيال ميديا. ونظام توزيع مكون من بوتات Bots أو روبوتات شبكة، وحسابات مزيفة وخوارزميات المنصات التي يسهل استغلالها، وبنية تحتية تقنية لتعبئة وتغليف الكذب وتوصيله إلى بريدنا الوارد و ملخصاتنا من الأخبار على فيسبوك وتويتر .

العنصر الثالث المهم هو التسويق وعادة ما يشمل هذا المستشارين والوكلاء التجاريين الذي يصقلون المعلومات و يجمعونها في قصص إخبارية رديئة. وما تنتجه ماكينة الكذب هو ما يسميه الكتاب الدعاية المحوسبة، Computational propaganda وهي الأخبار والمعلومات المضللة التي يتم إنشاؤها لخدمة مصالح سياسية ويتم توزيعها خوارزميًا عبر شبكات السوشيال ميديا، إما عن طريق حسابات مؤتمتة على تويتر أو مستخدمين وهيميين على فيسوك، أو الدفع مقابل الإعلان واستغلال الخدمات التي توفرها منصات السوشيال ميديا لكل أنواع المعلنين. لكن مع بعض الاختلافات عن دعاية أمازون الذي يعرف ما نريد شراءه قبل حتى أن نفكر به، فهذه الدعاية المحوسبة تسعى إلى استغلال مخاوف الناس ونقاط ضعفهم وتغيير ما يؤمنون به، ليس من خلال المنطق والإقناع العقلي، لكن من خلال التلاعب بعواطفهم.

جيوش التصيد troll armies

يتحدث الكتاب عن جيوش التصيد troll armies التي ظهرت لأول مرة في روسيا عام 2007 خلال ولاية فلاديمير بوتين الثانية كرئيس، وكيف تم تنظيمها بواسطة الحكومة الروسية فيما بعد تحت اسم وكالة أبحاث الإنترنت الروسية IRA، التي تشغل الآن عدة مباني في مدينة سان بطرسبورغ. وذلك بعد أن رأت النخب السياسية في روسيا كيف كانت الحركات الاجتماعية في أجزاء أخرى من العالم، تستخدم منصات السوشيال ميديا مثل تويتر وفيس بوك من أجل الحشد والتنظيم. وقررت تطبيق التكتيكات نفسها، لكن بهدف الهيمنة السياسية بدلًا من التغيير السياسي.

طورت الحكومة الروسية استراتيجيتها، وبنت أول مكون مهم في آلة الكذب: منظمة مهنية لإنتاج المعلومات السياسية المضللة بشكل منهجي وتوزيعها عبر منصات السوشيال ميديا، وكان ذلك مفيدًا للنخب الحاكمة في روسيا، ومكّنها من مزج الهجمات المباشرة على المعارضين السياسيين، مع التلاعب بالرأي العام وتضليل المجتمع الروسي بأكمله.

وبعد العديد من حملات التضليل الناجحة، انتشر استخدام المتصيدين عندما رأت الحكومات والأحزاب السياسية وجماعات الضغط الأخرى عمل جيوش التصيد الروسية. وبحلول عام 2016 كانت حوالي 25 دولة تنفق ما يصل إلى 2,5 مليار دولار سنويا على مجموعات كبيرة من المعلقين والمراجعين والمتحرشين والمناصرين، الذين تلاعبوا بالحياة العامة عبر السوشيال ميديا. وبحلول عام 2020 كانت أكثر من 70 دولة قد نظمت فرقًا للتضليل والتلاعب بالحياة العامة على السوشيال ميديا.

ويرى هوارد، أنّ هذا ربما يكون أفضل دليل على أنّ منصات الإعلام الإجتماعي هي الآن جزء من مجموعة أدوات التحكم الإجتماعي، فالأنظمة التي انتهكت حقوق الإنسان لم تجد ضيرًا في استخدام فيسبوك وتويتر للتلاعب بمواطنيها.

يركز الكتاب على أن التفسيرات الحصيفة( المعقولة) للسياسة الحديثة تحتاج الاهتمام بالدور المؤثر لتكنولوجيا المعلومات، فالمنظومة الاجتماعية التقنية تتكون من الأشخاص وأدواتهم، ورؤية التفاعل بين كليهما تمنحنا إطارًا تحليليًا أفضل، حيث يصبح بإمكاننا ملاحظة أنّه بقدر ما يقدمه العالم المادي من إمكانات فإنه وبذات الوقت يضع القيود على الفعل البشري.

يحذر الكاتب من أنّ التعامل مع الدعاية المحوسبة من منظور تقني بحت يحولها إلى مشكلة تقنية يتم إيكال مهمة إصلاحها للمهندسين. ويقول أنه إذا لم ينخرط البحث الأكاديمي في الدعاية المحوسبة، وبشكل كامل، مع منظومات السلطة والمعرفة التي تنتجها، الفاعلون البشريون والدوافع وراءها، فعندها سوف تتبخر إمكانية تحسين دور منصات الإعلام الإجتماعي في الحياة العامة.

ربما تكون الحرب السورية الأولى في التاريخ التي شاركت فيها البوتات Bots

يقول هوارد، من الصعب سرد قصة الربيع العربي دون توضيح دور منصات السوشيال ميديا، التي مكنت دعاة الديمقراطية من التنسيق فيما بينهم بطرق جديدة مدهشة، وإطلاق ثوراتهم الملهمة للتغيير السياسي. لكن غياب المحررين البشريين في خلاصات الأخبار على السوشيال ميديا جعل من السهل على الفاعلين السياسيين التلاعب بتلك الشبكات.

كلفت الحرب المستمرة في سوريا مئات الآلاف من الأرواح والغالبية العظمى هم ضحايا عنف نظام الأسد، فبعد وصول الربيع العربي وعلى الرغم من كل التكتيكات البربرية الوحشية التي استخدمها النظام، لم يتمكن من قمع الإنتفاضة في بلاده، وبحلول عام 2013 كان النظام يخسر معركة الرأي العام محليًا وخارجيًا.

والأمر الأكثر غرابة في الحرب، يقول هوارد، هو أنها قد تكون الحرب الأهلية الأولى في التاريخ التي شاركت فيها البوتات Bots، أو روبوتات الشبكة، بفعالية مع عواقب سياسية خطيرة. فبعد مضي شهر واحد على بدء المظاهرات في درعا، تم اكتشاف بوتات تويتر تحاول بث الأخبار القادمة من سوريا على الشبكات الرقمية، وتتصرف البوتات مثل الكتاب والمحررين البشريين.

يقوم الأشخاص ببرمجة البوتات لنشر الرسائل أو الرد بطريقة معينة عندما يكتشفون رسالة أخرى، ويمكنها إنشاء كميات هائلة من المحتوى ويمكنها خنق النقاش خلال ثوانٍ. ومنذ وقت مبكر من الثورة اعتمد العديد من الناس في سوريا وحول العالم على تويتر لمتابعة الأحداث سريعة الحركة. واستخدم الصحفيون والسياسيون والجمهور هاشتاغ #syria لمتابعة مجريات الأحداث وممارسات النظام المتوحشة.

استندت استراتيجية البوتات المضادة التي وضعتها الأجهزة الأمنية الموالية للأسد على عدة مكونات، أولًا إنشاء مجموعة حسابات بوتات على تويتر، ووصف نشطاء ومراقبون وقتها هؤلاء المستخدمين بـ البيض، eggs لأنه في ذلك الوقت تم تمثيل المستخدمين الذين لم يضعوا صورة ملف برمز البيضة. تتبع هذا البيض المستخدمين الذين كانوا يتبادلون المعلومات حول الأحداث السورية، وولد البيض الكثير من الرسائل المسيئة لأي شخص استخدم كلمات تشير إلى التعاطف مع النشطاء. ونشر البيض أفكار ومحتوى لا علاقة لها بما يجري، مثل روابط للمسلسلات السورية، والشعر السوري، ونتائج دوري الأندية المحلية، لإغراق أي نقاش عن الأحداث. وأحد تلك الحسابات lovelysyria الذي قدم معلومات سياحية، وبدأت برامج بوتات النظام بخنق هاشتاغ syria مما جعله أقل فائدة في عملية الحصول على الأخبار والمعلومات عما يجري.

كشف التحقيق أن بوتات النظام تم إنشاؤها في البحرين بواسطة شركة تسمى "إغناء للتنمية والدعم" وهي واحدة من مجموعة متزايدة من الشركات التي تقدم ما يسمى حلولًا للحملات السياسية في جميع أنحاء العالم. في الغرب تتعاون هذه الشركات مع القادة السياسيين الباحثين عن المناصب ومجموعات الضغط التي ترغب بتمرير أو عرقلة تشريعات. وفي الدول الاستبدادية يمكن أن تعني الاستشارات التعاون مع الطغاة الذين يحتاجون تلميع صورهم أو السيطرة على الأخبار التي تتحدث عن القمع الوحشي الذي يمارسونه. لم تكن النصوص المؤتمتة المصدر الوحيد للدعاية المحوسبة فقد توصل كل من مختبر citizen lab ومنظمة Telecomix إلى أن شبكات المعارضة السورية كانت ضحية نسخة مصابة ببرمجية خبيثة من أداة التحايل على الرقابة freegate، وبدلًا من حمايتهم من الرقابة كشفتهم لأجهزة الأمن السورية. ولم تسلم أعمال الإغاثة من البوتات، فقد كانت منظمة الخوذ البيضاء هدفًا لحملة ناجحة من البوتات الروسية التي نشرت شائعات ربطت المنظمة بالقاعدة. وهكذا تحول متطوعو الخوذ البيضاء إلى أهداف عسكرية.

ي اللحظات المهمة من الأزمات السياسية والعسكرية، لا يشارك المستخدمون على المنصات الأخبار المهنية فحسب، بل يشاركون، وأحيانًا دون علمهم، الأخبار المتطرفة و المتآمرة والرديئة التي تمّ تسويقها لهم.

أصبحت منصات الإعلام الاجتماعي مصدرًا مهمًا للأخبار والمعلومات في معظم دول العالم، وينظر عدد متزايد من المستخدمين لتويتر وفيس بوك على أنها مصادر للأخبار. وفي اللحظات المهمة من الأزمات السياسية والعسكرية، لا يشارك المستخدمون على المنصات الأخبار المهنية فحسب، بل يشاركون، وأحيانًا دون علمهم، الأخبار المتطرفة و المتآمرة والرديئة التي تمّ تسويقها لهم. وتجادل نظرية "التعرض الانتقائي" بأن معظم الناس يفضلون الرسائل التي تدعم معتقداتهم ورؤيتهم للعالم، بدلًا من تلك التي تتضارب معها.

ومع غياب المحررين والصحفيين الاحترافيين من تدفق الأخبار والمعلومات يعني أن هناك ضوابط أقل على جودة الرأي والحقائق التي يتم تداولها على المنصات.

يقول هوارد إنّ فهم كيفية عمل الحملات السياسية الحديثة يتطلب بعض المعرفة بصناعة تعدين البيانات data mining لأن هذه الصناعة توفر المعلومات التي يحتاجها مديرو الحملات لاتخاذ قرارات استراتيجية حول المستهدفين بالحملة، وأين ومتى وبأي رسالة وعلى أي جهاز ومنصة. ومعظم الناس لا يدركون حجم البيانات التي تم جمعها عنهم ومن يبيعها ومن يشتريها. وهذه البيانات هي في الأساس بيانات خام أو أولية Raw data لم تتم معالجتها.

والاستنتاجات السياسية حول شخص ما، عادة ما تحتاج أخذ عدة أنواع من البيانات ووضع فهرس يجعل الناس أكثر قابلية للتصنيف والمقارنة ببعضهم البعض. على سبيل المثال يمكننا تصنيف شخص على أنه ليبرالي إذا حصلنا على قائمة مشترياته من الجرائد والمجلات ووجدنا أنه يشترك في مجلة ينشر فيها الكتاب الليبراليون مقالاتهم عادة. وإذا حصلنا على المزيد من البيانات الخام حول الشخص وعلمنا أنه مسجّل لدى حزب معين وهذا الشخص صوت دائمًا لهذا الحزب وعلمنا من هم أصدقاؤه أو أصدقاؤها وما هي توجهاتهم السياسية ولمن يصوتون، يصبح بإمكاننا القيام بـ استدلالات واستنتاجات أكثر دقة عن ذلك الشخص.

بيع شركات بطاقات الائتمان بيانات معاملات زبائنها للعديد من الشركات، بما في ذلك المعلنون وشركات العلاقات العامة و المستشارون السياسيون. وتدفع شركات الطرف الثالث مقابل الوصول إلى البيانات الأولية، والتي عليها فيما بعد تحليلها بنفسها أو توظيف استشاريين مثل شركة كامبريدج أناليتيكا لمعالجتها وتقديم تقارير عن التوجهات المهمة، والميزة المهمة لوسطاء البيانات هو أنه يمكنهم دمج مجموعات بيانات من مصادر متعددة والخروج باستنتاجات أكثر قوة.

طبعًا صناعة تعدين البيانات ليست جديدة لكن الجديد هو الفرق الذي تحدثه منصات السوشيال ميديا بتوفيرها أنواعًا جديدة من البيانات التي تتيح رؤية أكثر دقة وتفصيلًا حول كيف يفكر ويشعر أشخاص بعينهم. … ولمن يرغب بمعرفة المزيد عن الموضوع شاهدوا الوثائقي The great hack على نتفليكس والذي يكشف كيف صارت كمبريدج أناليتيكا رمزًا للجانب المظلم من السوشيال ميديا.

لطالما شدد علماء النفس الاجتماعيون على أهمية الشبكات الشخصية في التعرف على العالم، وهذا الاستنتاج هو استنتاج مهم في هذا السياق، لأن تعرض العديد من الأشخاص للدعاية المحوسبة هو نتيجة لمشاركة الأصدقاء والعائلة للمحتوى. وأظهر بحث هوارد أن حوالي 30 مليون شخص شاركوا منشورات IRA على فيسبوك وانستجرام. وهذا النشر يمكن لاعبين مثل وكالة الإنترنت الروسية من الاستفادة المباشرة من البنية النفسية الحرجة للعمل على تكوين المعتقدات الفردية. وفي إحدى دراسات الرأي العام والتي استمرت عدة سنوات وكان موضوعها هو كيفية اتخاذ قرار التصويت ونفسية الناخبين في الانتخابات الحديثة، وجد الباحثون أنّ 20 إلى 30 في المائة من الناخبين يتخذون قراراتهم أو يغيرون أرائهم بخصوص من ينتخبون في غضون أسبوع من موعد التصويت. ونصف هؤلاء يحزم أمره في نفس يوم التصويت. وترتفع هذه النسبة في حال كان الاقتراع على استفتاء. وهذا كان الحال في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

خلال السنوات الأخيرة الماضية بدأ عدد متزايد من الناس ملاحظة تزامن التفكير أو الحديث عن منتج معين مع وصول إعلانات إلى بريدهم الإلكتروني وملخصات الأخبار على حساباتهم على السوشيال ميديا.

كان لحملة التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي استراتيجية قوية على منصات السوشيال ميديا، ولم تتضمن معلومات خاطئة ومضللة حول تكاليف وفوائد عضوية الاتحاد فحسب، ولكن أيضًا الإفراط في الإنفاق على حملتها على منصات الإعلام الاجتماعي خاصة في الأيام الأخيرة التي سبقت يوم التصويت ، وفقًا لتقرير صادر عن لجنة الانتخابات البريطانية،. كانت الاستراتيجية الرقمية لحملة مغادرة الاتحاد استراتيجية طموحة وتضمنت شبكة عالمية من المقاولين والاستشاريين. وظهرت إعلانات حملة vote leave على فيسبوك 891 مليون مرة وكان لهذا عواقب على توجهات الناخبين بلا شك، ولو حصل فريق البقاء في الاتحاد على 600 ألف صوت إضافي فقط، يقول هوارد، فإن بريطانيا كانت ستبقى جزءًا من الاتحاد.
خلال السنوات الأخيرة الماضية بدأ عدد متزايد من الناس ملاحظة تزامن التفكير أو الحديث عن منتج معين مع وصول إعلانات إلى بريدهم الإلكتروني وملخصات الأخبار على حساباتهم على السوشيال ميديا. أنا واحد من ّأولئك الذين اعتقدوا في البداية أنّ ميكروفون الجهاز يسجل المكالمات والأحاديث ويرسلها إلى قواعد بيانات الشركات الرقمية حيث تقوم الخوارزمية بتحليلها وتوجيه إعلانات تتناسب مع توجهاتي الشرائية… لكن ما ثبت هو أنني كنت مازلت عالقًا في عقلية القرن العشرين وفكرة التجسس والتنصت والميكروفونات المخفية. لا يحتاج فيسبوك والمنصات الأخرى الميكروفونات للاستماع إلينا، فهم يقومون بتطوير أنظمة تقنية تفتقر للشفافية ومعقدة بشكل متزايد لتتبع وجمع ومعالجة المعلومات حول المستخدمين. لديهم بالفعل طرق لمعرفة أشياء عنا لم نفهمها بالكامل حتى الآن. لكن ما نعرفه هو أنّ ما يتم جمعه من معلومات من خلال تتبع النشاط عبر الإنترنت، يكفي لإخبارهم بما يحب الناس، وما يبحثون عنه، وما يستمعون إليه ، وما يقرؤونه، وأين يتسوقون، والأدهى من ذلك من هم أصدقاؤهم وما الذي يعجبهم قراءته وشرائه- بيانات يتم جمعها دون وعينا. وبعد ذلك، يتم جمع هذه المعلومات مع المعلومات التي تم شراؤها من وسطاء البيانات التجارية حول حياة الأشخاص غير المتصلة بالإنترنت، مثل عدد بطاقات الائتمان التي يمتلكونها، ودخلهم ، وما الذي يشترونه عندما يذهبون لشراء البقالة. وكل هذه المعلومات يتم دمجها ببيانات الأصدقاء، لأنهم إذا كانوا يعرفون ما الذي يشتريه أو يقرأه المقربون مني فهناك فرصة جيدة أن أهتم بنفس الشيء وعندي قابليه لـ الإقنتاع بشرائه أو قراءته في حال استهدافي بإعلان موجه ومشخصنٍ. وهذه الدقة في توجيه رسائل مشخصنة للأشخاص القابلين للإقناع أو Persuadables اعتمادًا على جمع وتحليل البيانات، لم تبقى في عالم الإعلانات التجارية وموقع أمازون، و أسالت لعاب السياسيين واللوبيات حول العالم.
في الماضي كان مدراء الحملات السياسية يشترون مساحات إعلانية، ووجدوا أنّ 1٪ من الناس الذين يشاهدون الإعلان سوف ينقرون عليه. و10٪ من هؤلاء سوف يصدقون الرسالة، و10٪ من هؤلاء سوف يتحمسون بما يكفي للتفاعل مع الإعلان بطريقة أو بأخرى، شراء المنتج أو إخبار الأصدقاء وغيره. في هذه الأيام لا يحتاج مدراء الحملات السياسية لشراء مساحات إعلانية تقليدية، لأن منصة مثل فيسبوك يمكن أن توفر عينة مختارة بشكل مقصود من المستخدمين بناء على تحليلاتها الداخلية عن المستخدمين، فالإعلان السياسي على الانترنت يذهب مباشرة للشخص القابل للإقناع The Persuadable. يرسم الكتاب صورة مقلقة عن السوشيال ميديا، فقد باتت تفاعلات الناس على هذه المنصات مشبعة بالتحيز وبتنا نجاهد لتمييز الحقيقة من الزيف، ومع ذلك لا يقول هوارد بأن الحل هو في التخلى عن السوشيال ميديا بل ربما المزيد منها، ويفترض أنّ جهدًا متعدد الإختصاصات يجمع بين علم الكمبيوتر والبيانات وعلم الاجتماع والإنسانيات سوف يكون جزءا من الحل لمساعدتنا على تحديد اللاعبين السيئين وكشف الكذب، والعمل مع منصات السوشيال ميديا ذاتها لدفعها للتوقف عن الترويج للمعلومات المضللة، رغم اعترافه بأن القضية معقدة نظرًا لأن ثمة العديد من أصحاب المصالح القوية في الاستمرار بصناعة الأكاذيب ، بما في ذلك السياسيون والشركات التي تحقق أرباحًا هائلة من هذه الصناعة. ويجب على أي جهاز من أجهزتنا، سواء كان جهاز موبايل أو ثلاجة، إخبارنا عن من هو المستفيد النهائي من البيانات التي يتم جمعها عنا. وإذا اخترت التبرع ببياناتي بمحض إرادتي لحزب سياسي أو مؤسسة بحثية أو صحية، على سبيل المثال للمساهمة في احتواء وباء كورونا، فيجب أن يكون ذلك ممكنًا ومن حقي. إن البيانات الأكثر أهمية اليوم ليست في المكتبات العامة ولا عند الوكالات الحكومية بل في السيليكون فالي ولايمكن للمؤسسات الحكومية والصحية الوصول إليها. ولا تتعامل شركات السيليكون فالي مع بيانات مستخدميها على أنها ملك لها ومحمي بقوانين الملكية الفكرية فحسب، بل وتتلاعب بها. يعتبر البعض البيانات نفطًا أو ذهبًا جديدًا، ويعتبرها آخرون ثاني أكسيد كربون جديد نظرًا للدور المدمر الذي تقوم به. لاشك في أن البيانات مكون خام يمكن استخدامه في مجالات عدة، ويمكن استخدامها للخير والصالح العام، ولكن مانراه حتى الآن وما كشفه الكتاب ، هو أن عدد من الشركات العملاقة تستخرج وتعدّن البيانات وتستخدمها بطرق مختلفة، ويستفيد منها عدد محدود من الشركات على حساب الصالح العام، لقد باتت البيانات اليوم مصدرًا مهمًا، وربما الأهم، للسلطة، وثمة ثمن يدفعه البشر أذا لم يكن لديهم آلية فحص فعالة ومستمرة للسلطة، وقواعد قانونية يقاد من خلالها المجتمع. سواء كانت تلك السلطة في العالم الافتراضي أو العالم الحقيقي

If you want to read more you need to log in. Not a member of this channel, yet? Then register here.

Omar's Book Reviews linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram